الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين،أما بعد:
قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى: 14] وقال عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الطبري: 9] وقال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] وقال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى [طه: 76]
ما هو الفلاح؟! وما معنى الزكاة؟
الفلاح شو النجاح وزيادة، نجاح مع التوفيق وإصاحب الحق في أحسن الأحوال فهو متضمن للحسن وزيادة، ويوضحه:
الزكاة: فالزكاة هي النماء والبركة والزيادة المباركة المثمرة.
تعالوا بنا نزكِّي أنفسنا لنفلح في الدنيا والآخرة.
إخوة الإسلام، لا شك أن العالم اليوم يعيش حياة التَّخبُّط والحيرَة والضلال، وسبب ذلك هو البعد عن تحكيم شرع الله عز وجل، لا أقول في الحكام بل في الحكام وغيرهم فعلى كل مسلم وكل بيت مسلم وجوب تحكيم شرع الله في بيته كلُّ بقدره على حسب رتبته وكلكم راعٍ[1] وكلكم مسؤول عن رعيته.
بداية الخلق ونشأة الصراع
وأنتم تعلمون جميعًا أن الله عز وجل عندما خلق آدم عليه الصلاة والسلام، أمر ملائكته الكرام وابليس اللعين بالسجود إلى آدم عليه الصلاة والسلام احتراماً له، فسجدوا جميعاً إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين وجحد فضل النبي الكريم وكفر بالله العلي العظيم.
كلا، بل مِن هنا بدأ الصراح! فعندما أظهر الله فضل آدم بأن شرَّفه بالعِلم وأسكنه جنَّته، حذَّره من فتنة الشيطان وأنه عدو له وأنه حريصٌ على اغوائه ليكون معه في النار.
فما كان من ابليس إلا أن قام حسدًا وعدوانًا بالوسوسة[2] لآدم وزوجه عليهما الصلاة والسلام إلى أن أخرجهما من الجنَّة، فتاب آدم وحواء إلى الله عز وجل بكلمات علَّمهما إياها[3].
إذا فالمعركة الحقيقية على الأرض هي معركة الإنسان مع عدوه اللَّدود إبليس عليه لعائن الله عز وجل
إن من مكامن القوة عند المُحارب أن يعرف تفاصيل من يُحارِب، فكيف بعدو يرانا ولا نراه؟ ما هي طبيعة الأسلحة التي يستعملها في هذه المعركة؟!
البعض سيضحك ويقول عن أي معركة تتحدث! أقول إن هذا لُب الإيمان عند المسلمين، الإيمان بالغيب الذي زكَّاه الله عز وجل بل وأول صفة امتدح بها ربنا الكريم عباده المؤمنين كانت إيمانهم بالغيب، قال تعالى: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2/1]
ثم أليس هناك كُفرٌ في الأرض؟ أليس هناك من ترك عبادة الله وعبد بقرة؟ أليس هناك من اخترع عبادة يتقرب بها إلى الله فأفضى به الأمر الى اتخاذ وسائط بينه وبين الله يدعوها مع الله؟ بل أليس هناك من ترك عبادة الله وعبد هواه فلم يؤمن بإلهٍ أصلاً؟!!
من أين أتى هذا الشرك؟ لا شك أن المعركة واضحة المعالم!
بعد أن أدى نيته الخبيثة أمام رب العالمين: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: 83/82]
كيف السبيل إلى النجاة إذا؟!!
الحمد لله رب العالمين الذي لم يخلقنا عبثًا ولم يتركنا هملاً بل أرسل إلينا رُسُلاً مبشرين ومنذرين وأنزل عليهم الكتاب ليحكموا بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون، والحمد لله الذي شرع لنا عبادات نزكي بها أنفسنا فنقترب من الله ونبتعد عن حبائل الشيطان، فكلما كان العبد قريبا من الملك لا يضره عداء العبيد!!
بالمثال يتَّضِح المقال
وقبل أن اتكلم عن العبادة سوف أضرب لكم مثالاً، لنبني كلامنا على تصور صحيح.
لو قلت أنني في حرب، ما أول شيئ أفعله؟
التسلح،
اتخاذ اجراءات الحماية،
معرفة معلومات تفصيلية إن أمكن عن العدو.
لنطبق ذلك لى المعركة بيننا وبين الشيطان:
شرع الله لنا عبادات إن قمنا بها عصمنا من الشيطان الرجيم: فالصلاة، والزكاة، والحج، والعمرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصيام، وصدق الحديث، وحسن الجوار، والتوكل على الله، الذبح لله وحده، دعاءه وحده، كلها بمثابة اسلحة نحارب بها الشيطان الرجيم.
طبعا كلما كان الإنسان معه أسلحة أكثر كلما كان تأثيره على العدو أكبر، وكلما كانت أسلحته أحدث كان أفتك بالعدو ممن يملك أسلحة بدائية.
كمن يقول مثلا الإيمان بالقلب والحمد لله، صحيح إنني لا أصلي لكن لا أكذب ولا أسرق، نقول نعم هذه أخلاق حميدة لكنَّها من صفات الإنسان العادية فهي بمثابة الأسلحة البدائية، أما الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والإصلاح في الأرض فهي أسلحة متطورة لأنها تحوي تلك الأسلحة البدائية، وطبعا الكيِّس الفطن لا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير!
عندما كنا صغاراً كنا نلعب بـ كونتر سترايك وغيرها وكنا عند شراء سلاح نقوم بتطويره مثلا بأن نضع عليه منظار أو مشط الطلقات النارية ونقوم بتحديثه لزيادة عدد الطلقات أو نقوم بوضع كاتم صوت وهكذا، وكل ذلك يزيد من قوة السلاح وفتكه بالعدو.
لذلك – مع بعد التشابيه – فالله عز وجل شرع لنا مع العبادات الأساسية التي نقوم بها، عبادات تكللها لتحصِّنُها فمثلا شرع لنا الصلاة، وسنتكلم عن صلاة الظهر مثلا.
عندك أخي الكريم إستعمال السواك قبل الوضوء، ثم الوضوء، ثم الدعاء بعد الوضوء، ثم سنة الوضوء، ثم الذهاب الى المسجد، ثم دخول المسجد باليمين مع الذكر الوارد، ثم صلاة تحية المسجد، ثم السنَّة التي قيل عنها أنَّها سياج الفرض، وعندك كمان السواك قبل الصلاة، وعندك أذكار الصلاة وعندك سنة الصلاة البعدية = كل هذه تطويرات لهذا السلاح الفتاك!
فكل هذه العبادات والآداب المتعلقة بالصلاة ترفع العبد عند الله وتقويه في محاربة الشيطان الرجيم
تعدد الأسلحة
كلما قام العبد بعبادات أكثر وسنن أكثر كان ضرر الشيطان عليه أخف، هل تعتقد أخي الكريم أن من لديه درع واحد أو اثنين كمن يقعد في قلعة محاطة بالأسوار والدروع؟!!!
بالطبع لا، فهل تعتقد أن درعًا واحدًا يحميك من الشيطان؟!!
صدقني فإن هدف الشيطان الوحيد هو إبعاد المسلم عن الله عز وجل وأن يكون معه في النار
فعندما يكون للانسان درع من الصلاة، ودرع من الزكاة، ودرع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودرع من الصبر، ودرع من صدق الحديث، ودرع من حسن الجوار، ودرع من الأمانة في البيع والشراء – وإن شئت قل في كل أمر حسن تستحسنه الفطر السليمة والعقول المستقيمة- وغيرها من العبادات، لن تكون هناك مكافئة بين المسلم والشيطان، ويقول سبحانه: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء: 76]
لأن الشيطان لكي يحاربك سوف يحاول هدم الدروع ليصل إليك فمن يصلي الفروض فقط فإن الشيطان يحاربه لكي يبتعد عن الصلاة في المسجد فيصلي في البيت أو بتأخير الصلاة عن وقتها. ومن يصلي في المسجد ويصلي السنن الراتبة فإن الشيطان يحاول اغراءه بأنه محافظ على الصلاة بوقتها فلماذا هذه الرواتب الزائدة طالما قام بحق الله عليه؟ وربما لخبثه يستدل عليه بما ورد في السنة من حكاية ذلك الأعرابي الذي قال والله لا أزيد عليها ولا أنقص فبشَّره النبي بالجنة إن صدق، أخي الحبيب إن عدوك يستدل عليك بالكتاب والسنة، فتأمل!!!
بل وقد يغريك ببعض الطاعات! نعم في ثلث الليل الأخير مثلا حيث الصلاة مستحبة والدعاء كذلك فإن الشيطان سيغريك بقراءة القرآن الكريم، وكم رأيت من شخص بين الأذان والإقامة وعند الفجر حيث الوقت الطويل يقوم بقراءة القرآن بدل الدعاء المستجاب بإذن الله! بل قد يحثك على قيام الليل والإكثار من الصلاة لكي تستثقل صلاة الفجر ويغلبك ضعفك البشري فتنام!
فيشغلك بالمفضول عن الفاضل وبالأدنى عن الأعلى.
بل وقد يغريك بطلب العلم ! أه والله
وخصوصاً في هذا العصر، أليس لك عقل؟ لماذا تكون تابعاً لغيرك؟! وهكذا فيغريك بالإستماع إلى من يطعن بالدين من حيث تظن فيه الإصلاح والصلاح فيتأثر بالشبهات من حيث يظنها مثالب أضيفت للشريعة يجب تبرأتها منها! فينكرون الرجم وينكرون حد الردة بل وينكرون نزول المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم آخر الزمان!
بل ويغريك بالدعوة إلى الله والتي هي من أعظم الجهاد، فتدخل الميدان حيث مرتع الشبهات وأنت يا حسرة تكون كالطعم في مظهر الأسد الحامي لحدود الإسلام!
وغيرها الكثير وأنصحك بهذا الكتاب [سابغات] ففيه ما يقوي إيمانك ويزودك بالقواعد المنهجية الصحيحة والسليمة
إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت
ثم إن هذه الدروع لكثرتها قد لا تساوي شيئاً! تخيل انسان يخرج من بيته في البرد القارس يلبس جاكيت مثقوب، هل سينفعه؟! أو ارتدى سروال مهترئ، هل سيقيه من البرد؟!
كلا، فلا بد من اللباس نفسه أن يكون سليمًا ثم كلما أرتدى أشياء أخرى كلما كان بعيدا عن البرد أكثر فليس من يلبس السروال فقط كمن يلبس سروال وتحته بيجاما!! وليس من يرتدي جاكيت فقط كمن يردتي معه قبعة ومظلة!!
لذلك اخوتي الأكارم، نحن نصلي نعم، نصوم نعم، ولكن هل تأكدنا إن كانت صلاتها صحيحة! فلربما نرتكب خطأً بالوضوء فلا يتم، فتكون صلاتنا باطلة!!
فيا أخي الكريم ما نفع السفينة وقاعها المهترئ من الأسفل؟
انظر كيف قدَّم الله العلم على القول والعمل، يا ترى هل تعلم لماذا؟
لأن العلم مصحح للنية والعلم مصحح للعمل نفسه
لذلك مثلا ترى شخص يصلي ويصوم لكنه يكذب ويخدع، كيف استولى عليه الشيطان مع أنَّه يصلي ويصوم؟وأنتم تقولون أنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر!
نعم يصلي ويصوم ولكن هل صلاته صحيحة هل صيامه صحيح هل حقق التوحيد والإخلاص!! هل قام بشروطها؟ هل سعى إلى تعلم كيفية أدائها؟ ربما صلاها رياء ليُقال أنَّه مصلي!!
وهذا سؤال أو هذه المسألة هي العمدة عند أصحاب إيمان القلوب المجردة عن العمل!! غالباً حجة أصحاب المعاصي المدافعين عنها.
هل قرأت ولو كُتَيِّب صغير في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟
أليس هو القائل[4]: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي
والحمد لله رب العالمين
——————–
1 أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: صحيح البخاري (4569) (5188) (7138)، صحيح مسلم (1829)
2 [خواطري حول الخطيئة الأصلية] هفوة كتابية في حجَّة إبليس الشيطانية
https://www.shbaboma.com/vb/showthread.php?t=236
3 الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربه فتاب عليه
http://goo.gl/PWvqNR
4 مالك بن الحويرث رضي الله عنه: (631) (6008) (7246)